كتب مها الحسيني من مدينة غزة ومحمد الحجار من النصيرات أن إسماعيل فرحات عاد إلى البحر حتى بعد أن دمّر القصف الإسرائيلي قاربه ومعداته. لم يكن الصيد خيارًا بالنسبة له، بل وسيلته الوحيدة لإطعام أسرته في ظل ظروف معيشية خانقة.


يوضح موقع ميدل إيست آي أن فرحات أبحر صباح الثامن من أكتوبر من شاطئ دير البلح وسط غزة على متن قارب صغير صنعه بيديه، قبل أن تقترب منه سفينة حربية إسرائيلية وتأمره «بالاستسلام».


الاعتقال في عرض البحر


روى فرحات أن جنود البحرية الإسرائيلية احتجزوه، وعرّضوه للتعذيب، وهددوه بالاعتقال إذا عاد إلى الصيد، قبل أن يفرجوا عنه بعد أكثر من شهرين. وقال إنه كان يصطاد مع صياد آخر عندما طوقتْهما سفينة حربية، وأمرتْهما بخلع ملابسهما والقفز في الماء والسباحة نحوها.


بعد صعودهما إلى السفينة، بدأ الجنود التحقيق، وطرحوا أسئلة عن مكان السكن والتنقل قبل النزوح، وطلبوا بيانات شخصية مثل أرقام الهويات والأعمار وأرقام الهواتف. وأضاف فرحات أن أحد الجنود التقط له صورة بهاتفه المحمول. ثم نقلته سفينة أخرى إلى تحقيق ثانٍ، قبل أن يُطلب منهما العودة إلى الشاطئ.


بعد دقائق، عادت السفينة نفسها وأوقفتْهما مجددًا. نادى أحد الجنود فرحات باسمه وأمره بالقفز في الماء والسباحة نحوه، فيما أُجبر الصياد الآخر على العودة. عندها كبّل الجنود يديه وعصبوا عينيه واعتقلوه. قال فرحات إن الجنود شتموه وضربوه، واتهموه بالانتماء إلى حركة حماس، وإنهم كانوا ينهالون عليه ضربًا كلما رفع رأسه أو نطق بكلمة.


أدرك فرحات في تلك اللحظة أن الاحتجاز سيطول، لكنه اعتبر نفسه «محظوظًا» لأنه لم يُقتل كما قُتل كثير من زملائه الصيادين.


احتجاز وتعذيب بلا تهم

 

تشير نقابة الصيادين الفلسطينيين إلى أن الجيش الإسرائيلي قتل ما لا يقل عن 230 صيادًا فلسطينيًا منذ السابع من أكتوبر 2023. نقل الجنود فرحات إلى ميناء لم يتمكن من التعرف عليه، ثم إلى معتقل سدي تيمان، المعروف بتعرّض المحتجزين فيه لأشكال قاسية من التعذيب.


قال فرحات إنه قضى فترة الاحتجاز مرتديًا سروالًا قصيرًا فقط وسط طقس شديد البرودة، دون السماح له بالكلام. وأجبره الحراس عند الوصول على خلع ملابسه، ثم وضعوه في لباس السجن. ضمّ المعتقل نحو 150 محتجزًا فلسطينيًا، بينهم صيادون وسائقو شاحنات نقلوا مساعدات أو بضائع.


قضى فرحات أول خمسين يومًا مكبل اليدين على مدار الساعة. وأضاف: «تعيش أربعًا وعشرين ساعة ويداك مكبلتان. يمنعوننا من الكلام، ومن الميل أو النوم. لم يسمحوا لنا بفرش، ونمتُ على شبكة حديدية». وعندما ينهك التعب أحدهم فيغفو أو يميل دون قصد، يعاقبه الحراس بإجباره على الوقوف لساعات.


خلال أكثر من شهرين في الاحتجاز، قال فرحات إنهم «عاملوهم كمجرمين» رغم غياب أي تهم رسمية. وروى أن وحدات اقتحام كانت تدخل أحيانًا وتلقي قنابل صوتية ودخانية، وتجبر المحتجزين على الركوع. وعند المرض أو الألم، يرفض الحراس تقديم مسكنات، ولا يمنحونها إلا نادرًا بعد إجراءات طويلة.


تدمير سبل العيش والعودة القسرية للبحر


دخل صيادون جدد المعتقل كل بضعة أيام، بينهم طفلان في السادسة عشرة من العمر، ورجل في منتصف الخمسينات، ولم يفرج عن أي منهم حتى الآن. قال فرحات إن المضايقات والاعتداءات سبقت اعتقاله، لكن القسوة المعيشية، خاصة خلال الحرب، دفعتهم إلى العودة للبحر مرارًا لتأمين الغذاء. وأضاف: «نخاطر بحياتنا فقط لإطعام عائلاتنا. نعرف أن الصيد غالبًا ما يقود إلى الاعتقال أو الإصابة أو الموت».


أفرج عن فرحات في 16 ديسمبر ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. وأكد زكريا بكر، رئيس لجان اتحاد الصيادين في غزة، أن الجيش الإسرائيلي دمّر أكثر من 95 في المئة من قطاع الصيد، عبر قتل الصيادين وتدمير القوارب والمعدات والبنية التحتية الأساسية مثل مرافق التخزين ومصنع الثلج وميناء غزة وسوق السمك.


وقال بكر إن منطقة الصيد المسموح بها تقلصت إلى «صفر» منذ بداية الحرب، مع فرض إغلاق بحري كامل استمر حتى بعد وقف إطلاق النار. وتنص اتفاقيات أوسلو عام 1993 نظريًا على السماح للصيادين الفلسطينيين بالصيد حتى 20 ميلًا بحريًا، لكن التطبيق لم يحدث يومًا.


وأضاف بكر أن البحرية الإسرائيلية قتلت 65 صيادًا أثناء عملهم في البحر خلال الحرب، ثم انتقلت بعد وقف إطلاق النار إلى الاعتقالات وتدمير القوارب، مع اعتقال 28 صيادًا والإفراج عن واحد فقط.


يُعد صيادو غزة من أفقر الفئات؛ إذ عاش نحو 90 في المئة منهم تحت خط الفقر حتى قبل الحرب. واليوم لم يبقَ سوى 400 إلى 500 شخص مرتبطين بالنشاط البحري من أصل آلاف. يستخدمون منصات بدائية أُعيد تجميعها من قوارب مدمّرة، وأحيانًا من أبواب ثلاجات، ويستخرجون الشباك من تحت الأنقاض. لا يتجاوز الإنتاج الحالي اثنين في المئة من مستواه قبل الحرب. يقول بكر: «لا يُسمح لأحد بدخول البحر. هذا عقاب جماعي».

 

https://www.middleeasteye.net/news/treated-criminals-gaza-fishermen-risk-everything-at-sea